نداء لكل فتاة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.. أما بعد: أختاه..
اعلمي أن أعدى أعدائك نفسك التي بين جنبيك، وقد خُلقت أمّارة بالسوء، ميّالة إلى الشر، فرّارة من الخير، وقد أمرك الله بتزكيتها وتقويمها وقودها بسلاسل القهر إلى عبادة ربّها وخالقها، ومنع شهواتها المحرمة.. فإن أهملتها جمحت وشردت ولم تظفري بها بعد ذلك، وإن لازمتها بالتوبيخ والمعاتبة والمحاسبة والملامة؛ كانت نفسُك هي النفس اللوّامة
التي أقسم الله بها ورجوت أن تصير النفس المطمئنة المدعوة إلى الدخول في زمرة عباد الله راضية مرضية؛ قال تعالى { يأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ.ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً.فَادْخُلِي فِي عِبَادِي.وَادْخُلِي جَنَّتِي } [الفجر:27-30]
الخطب الجسيم
عجباً أختاه.. كيف تدّعين الحكمة والذكاء والفطنة وأنت لا تبالين بمعصية الله تعالى وارتكاب ما نهى عنه..
أما تعرفين ما بين يديك من الجنة والنار؟ وأنك صائرة إلى إحداهما.. فكيف تفرحين وتضحكين وتشتغلين باللهو واللعب، وأنت مطلوبة لهذا الخطب الجسيم فإن كنت تطمعين في التوبة حين يتقدمُ بك السن، فتدركين الشهوات واللذات في شرخ شبابك وتفوزين بالتوبة الماحية للخطايا عند كبرك وهرمك.. فما أطول أملك وما أشدّ جرءتك على ربّك؛ إذ كيف ضمنت طول العمر؟
وكيف تيقّنت التوفيق للتوبة؟ وعساك اليوم تُختطفين أو غداً، فأراك ترين الموت بعيداً، ويراه قريباً؟
أما تعلمين أن كل ما هو آتٍ قريب، وأن البعيد ما ليس بآتٍ؟ أما تعلمين أن الموت يأتي بغتة من غير موعدٍٍ ولا مقدّمات؟ أما تعلمين أن
الموت ليس له وقت محدّد ولا زمن محدد، ولا عمر محدّد، فلا يأتي في شتاء دون صيف، ولا في صيف دون شتاء، ولا في نهارٍ دون ليل، ولا في ليلٍ دون نهار، ولا يأتي في الصّبا دون الشباب، ولا في الشباب دون الصبا. بل كل نفس من الأنفاس يمكن أن يكون فيه الموت فجأة، فإن لم يكن الموت فجأةّ، فيكون المرضُ فجأة، ثم يفضي إلى الموت فالنتيجة واحدة.. هي الموت.. فمالك لا تستعدّين للموت وهو أقرب إليك من كلّ قريب؟ أما تتدبرين قوله تعالى { اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ. مَا يَأْتِيهِمْ مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِمْ مُّحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ.لاَهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّواْ النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ هَلْ هَـذَآ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ }..
ويحك أختاه !! إن كانت جرأتك على معصية الله لا عتقادك أن الله لا يراك، فهذا ناقضُ صريح من نواقض الإيمان، ولست أراك تعتقدين هذا المعتقد الباطل الرديء.. وإن كانت جراءتُك على معصية الله مع علمك باطّلاعه عليك فأين حياؤك من الله؟ وأين خوفك منه وتعظيمك له؟ ويحك أختاه !!
لو واجهتك إحدى صديقاتك بما تكرهينه، كيف سيكون غضُبك عليها ومقتُك لهـــا؟ فبأي جسارة تتعرضين لمقت الله وغضبه وشديد عقابه؟ أفتظنين أنك تُطيقين عذابه؟ هيهات هيهات!! جربّي نفسك إن ألهاك البطرُ وشغلتك الغفلة عن أليم عذابه.. فاقعدي ساعة في الشمس.. أو قرّبي إصبعك من النار؛ ليتبيّن قدرُ طاقتك؟ فهل تُطيقين ذلك؟ فإذا كنت لا تُطيقين أن تقعدي ساعة في الشمس، ولا تطيقين أن تُقرّبي إصبعك من نار شمعة، فكيف تطيقين ناراً وقودها الناس والحجارة؟ ناراً هي أعظم سبعين مرةً من نار الدنيا مجتمعة..
الرجاء الكاذب
ولعلك أختاه تغترين بكرم الله وفضله ورحمته، وترددين دائماً أن الله غفور رحيم.. وهذا ليس من إحسان الظن في شيء؛ لأن إحسان الظنّ لابد أن يكون معه إحسان العمل. أما إساءة العمل والتعويل على كرم الله وفضله ورحمته، فهو من الغرور والأماني
الباطلة قال تعالى: { مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ }، وقال تعالى:{ وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى.وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى.ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَآءَ الأَوْفَى.وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى }[النجم:39-42]، ولماذا تنسين في زحمة الرجاء الكاذب أن الله شديد العقاب كما قال سبحانه:{ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ }، وقال سبحانه:{ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ }، وقال تعالى: { وَلَـكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ }، وقال سبحانه في الذين يستحقون رحمته: { وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَـاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ }، وقال تعالى: { إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ }. وما مثلك أختاه إلا كمثل عبد يأمره سيده كل ساعة بأمر وينهاه عن نهي؛ ثم
إن هذا العبد لا ينفذ لسيده أمراً، ولا ينتهي له عن نهي، وهو مع ذلك منتظرُ لهدايا سيده واثقُ من ثنائه عليه متوقع رضاه عنه وحسن جزاءه له !
ويحك أختاه: هل تنتظرين يوماً يأتيك لا تعسُر عليكِ فيه مخالفة الشهوات؟ هذا يومٌ لم يخلقه الله قطّ، فلا تكون الجنّةُ قط إلا محفوفةً
بالمكاره، ولا تكون المكاره قطُّ خفيفة على النفوس.
ويحك أختاه..
أما تتأملين منذُ كم تَعدين نفسك وتقولين: غدًا.. غدًا. فقد جاء الغدُ وصار يوماً فكيف عملتِ فيه؟ أما علمت أن الغد الذي جاء وصار يومًا كان له حكم الأمس، لا بل الذي تعجزين عنه اليوم فأنتِ غداً عنه أعجزُ وأعجز؛ لأن الشهوة كالشجرة الراسخة التي طولب العبد بقلعها، فإذا عجز العبد عن قلعها للضعف وأخّرها، كان كمن عجز عن قلع شجرةٍ وهو شابٌ قوي، فأخرها إلى سنة أخرى، مع العلم بأن طول المدة يزيد الشجرة قوةً ورسوخًا، ويزيد القالع ضعفًا ووهنا، فما لا يقدر عليه في الشباب لا يقدر عليه قطّ في المشيب، بل من العناء رياضةُ الهرم، و'من التعذيب تهذيب الذيب' (الذئب)، والقضيب الرطب يقبلُ الانحناء،
فإذا جفّ وطال عليه الزمان لم يقبل ذلك. اصبري ساعة
عدل سابقا من قبل حراء في الأحد 02 أغسطس 2009, 3:58 pm عدل 1 مرات